وما كادَ يمُـرُّ عامٌ على ثورة أهلِّ مِصر التي أسقطوا فيها حاكمَها الغَشُوم حتي دبَّ الشقاقُ بين أهلِ الثورة ، وتنازعوا أمرهُم أشدَّ نِـزاع ؛ فمَا كان مِن ذلك إلاَّ أنْ قَويت شوكةُ عبيدِ الملك الهالك ، الذين اصطلح أهلُ مِـصر على تسميتهم بالفُلول ، وقد تمالأ هؤلاء الفلولُ على إعادة حُكم مَلكِهم ، معتمدينَ في ذلك على دعم قائدِ العسكر الذي عُرف بولائه الشديد للملك الساقط ، حتى أنَّه أنزلَهُ المَشفى المُخصص لتَطْبيب العسكر بدلاً من أن يُودِعَهُ الليمانَ الشَهير مع ولَدَيْهِ وحاشيته، وما إن أطلَّ الشهرُ الرابع من العام الثاني عشر بعد الألفين حتي صُدِم المصريونَ بخبرٍ نزل على رؤوسِهِم كالصَاعقة ، فما كاد أن ينغلق بابُ التزكيةِ للمتقَدِّمين لحُكمِ البلاد حتى أعلنت اللجنة المُوكَلُ إليها هذا الأمر عن تـَقدُّم واحدٍ من أعوان الملكِ الهالك بعد أن زكَّاه ألوفٌ من المصريين - لا يُعرَفُ متى وكيف - وتساءل أهلُ المحروسة كيف له أن يُحصِّلَ هذه التزكيَة بين عَشيةٍ وضُحاها ، فمِنْ قائلٍ أنَّ بعضَ المُستخدمين في دارِ الاستيثاق ساعدوه في الحصول على هذه التزكيات بأوامر من تلك الفئة من البَصاصة التي كان يُطلِق عليها أهل مصر أمنَ الدولة ، ومِن قائلٍ أنَّ بعض أعوانِه دفعوا رِشا لسَفَلةِ الناس للحصولِ على تزكيتِهم ، ومِن قائلِ أن عبيدَ الملك المخلوع جمعوا حشودهم ليضمنوا له الحِصَة المطلوبة بعد أن تنادى فيهم واحدٌ من الطراطير كان المصريون يلقبونه بذكر البَط ، وأيًّا ما كان أمرُ حصولِه على التزكية فقد أصابَ المصريين همٌ كبيرٌ ، وخالجتْهُم الظُنونُ والأوهَام ، ولم يكن ذلك بسببِ أنَّ الرجلَ كان من أعوانِ الملكِ الهالك ، فقد كان هناك رجُلانِ على هذه الشاكلةِ ، لكنَّ أهلَ المحروسةِ لم يهتموا لأمرهما حتى أنَّ أحدَهما كان مثارَ سُخرية فتيانِ المحروسة وهو يَدور في دُروبها بَبغْلتِه طالباً البَيعة ، أمَّا هذا الرجلُ فقد كان جلادَ المَلك وحارِسَه الأمين وكبيرَ بصَّاصَتِه ، حتى أنَّه لا يبعُد أنْ يَنتقمَ من كلِّ من شاركَ في خلع سيِّده حالَمَا يَصِلُ إلى سُدَّةِ الحُكم ، ولو اقتصر الأمرُ على ذلكَ لكان هيِّناً ، لكنَّ داهيةَ الدَّواهي أنَّ هذا الرجلَ معروفٌ بودِّه لأعداء الدولةِ حتى أنَّه باع لهُم ركازِ الشعب بثمنٍ بَخس ، كما أنَّ العارفِين ببواطنِ الأمور يُجزمونَ أنه أفضى إلى العدوِ بكثيرِ من أسرارَ الدولة في جلساتِ سَمَره مع كبارِ بصاصِيهم ، وأمَّنَ لهُم عيونَهم التي نشرها في كافة أرجاءِ البلاد ، ويقولونَ أنَّ ذلك كان نكايةً في أهل الإسلامِ من بني جـِلدته الذين يُكِنُّ لهم الرجلُ حقداً لا يتورعُ عن إظهَاره في أحَايينَ كثيرة ، أمَّا ثالثةُ الأثافي فهيَ أنَّه في الوقتِ الذي أعلنت فيه اللجنةُ عن إتمامِ تزكيةِ جلاد الملك فقد قامت بالحَجر على رجلِ من أهلِ الصلاح كان قد زكَّاه مئاتُ الألوفِ من أهل مصر وتعاهدَ جمعٌ كبيرٌ علي بـَيعَـتِه ، لكنَّ مكيدةَ دُبرت له بقَصد الحُكم عليه بعدم الصلاحيةِ لطلب البَيعة ، فما كان منه إلاَّ أن فزعَ إلى قاضي المظالم طالباً النُّصْفَة ....
فماذا حدث....؟
للحديث بقـيَّــــة .......